أنواع لا تعد ولا تُحصى من القجج، ورغم كل هذا الفقراء في إزدياد. وقد وُزعت أول قجة دينية في الضاحية الجنوبية عبر جمعية الإمداد الخيرية. أما قجة مكتب الخدمات التابع لجمعية المبرات الخيرية فقد ظهرت عام 1996. ونشهد في لبنان، بسبب التوزع الديموغرافي الطائفي، أن القجج الخيرية ما هي إلا كشف حساب غير معلن. فبالإضافة، إلى قجج “المبرات”، و”الإمداد”، و”هيئة دعم المقاومة”، و”الرسالة”، نجد قججاً تابعة لأفراد منها “زاد الخير”، و”حوزة الإمام الهادي”، و”جمعية القرآن الكريم”، و”إحياء المجالس”، و”العطاء”، و”رابطة العمل الخيري”، وإلى ما هنالك من قجج في الضاحية والجنوب والبقاع.
أما المناطق ذات الأغلبية السنيّة فلها قججها أيضاً، وخاصة في البقاعين الأوسط والغربي، فمنها لتحفيظ القرآن، ومنها للمعوزين، ومنها لبعض الجمعيات التعليمية، ومنها للنازحين السوريين، ومنها لإطلاق السجناء، ومنها لـ”الأيتام” أو لـ”فعل الخير” أو في “سبيل الله” أو لـ”عائلة مستورة”. أما في المناطق المسيحية أو المختلطة، فإنّ الجمعيات فيها تتكّل على التواصل المباشر مع الناس من خلال المندوبين والإيصالات أو الإتصالات الهاتفيّة عبر شبكة الهاتف الثابتة، أو الـ SMS.
قناعة دينية
صحيح أن من يتبرّع لهذه الجمعيات إنما يقوم بذلك من تلقاء نفسه، وليس هناك من يُجبره، كون التبرع أو الصدقة تتم بنية القربة إلى الله تعالى، وإنطلاقاً من حديث ديني يشجّع على الصدقة وخاصة صدقة السرّ. لكن المسألة باتت أبعد من ذلك بكثير، إن لجهة استعمال البعض لهذه القجج لأهداف خاصة متعلّقة بالمُؤسس لهذه الجمعية أو تلك، أو لجهة أهداف هذه الجمعية أو تلك. أما الوجه الآخر للعمل الخيري فهو التعاون الأهلي البسيط، الذي يحاول أن يحلّ محل غياب السلطة المسؤولة رسميّاً عن المعوزين والفقراء.
نماذج من فاعلي الخير
(أم محمد يحيى) مثلا تضع قجة في منزلها، وتقول إنّ “قيمة ما تجمعه حوالي 400 ألف ليرة كل 5 أشهر، وهي تضع في المنزل قجتين لجمعيتين. أما (سكينة.ح) فتجمع “ما يصل إلى 50 ألف كل 3 أشهر، وهي تضع في منزلها 3 قجج لثلاث جمعيات. بالمقابل ترى (زينة. ق) أن “فقراء العائلة أولى بهذه الأموال”.
دين أم إقتصاد؟
تموّل العائلات القجة عبر الصدقة اليومية، وخاصة يوم الجمعة لدى المسلمين، كنوع من تكافل اجتماعي، باطنه اقتصادي. وقد عمدت بعض المدارس إلى وضع قجة في كل صف من أجل اشاعة هذه العادة. وفي جولة على بعض الأحياء في الضاحية الجنوبية نلحظ الانتشار الكثيف للقجج ولصناديق التبرع. فهذه دكان “أم محمد” في حيّ شعبي في”حيّ السلم” تخصص رفاً خاصاً للقجج.
الصناديق المتنوعة
ويُلاحظ لدى الجمعية الواحدة نماذج متنوعة للقجج، فهذا العدد هو محل نظر، حيث تتنوع ما بين قجة السيارة الورقية، وقجة الروزنامة، وقجة الطالب، وقجة المنزل، وقجة الأيتام، وقجة النذور، وقجة تعليم القرآن…
جميل هو العمل التكافليّ في ظل انتشار الفقر وانعدام مساعدات الوزارات رغم اعلان وزارة الشؤون الإجتماعية منذ فترة غير بعيدة انشائها لملف صندوق “العائلات الأكثر فقراً في لبنان”.
أسئلة شرعية مطروحة
لكن هل تسمح هذه الجمعيات بالإطلاع على مداخيلها للمعنيين، أم أن النظام اللبناني الليبرالي أباح لها، إخفاء ميزانيات الصدقات؟
المجتمع هو يد تساند يداً، لكن يبقى الاستثمار السياسي هدفاً لمن يقف خلف مختلف الجمعيات. والسؤال هل يتم تجيير قوة الفقراء هذه وتحويلها إلى قاعدة شعبية لهذه الجمعية أو تلك؟
رخصة رسمية
يكشف المحامي حسين حجازي لموقع (أحوال) أنه “يتم الترخيص للجمعيات في وزارة الداخلية في دائرة الأحوال الشخصية، فتحصل على علم وخبر بذلك، ويحق لها جرّاء ذلك جمع التبرعات”. مع الإشارة إلى أن جميع الجمعيات تخضع للقانون نفسه، ولا وجود لرخصة خاصة بالقجج، بل إنها تنضوي تحت بند جمع التبرعات، والمندوبين أو الإيصالات”.
لا مراقبة
ويرى محمد شمس الدين من الشركة الدولية للمعلومات، أنه “لا مراقبة على إيرادات القجج في الجمعيات، ولكن على كل جمعية أن تقدّم موازنتها لوزارة الداخلية. ولا علم لديّنا عن نسبة دخل الجمعيات الخيرية”. ولا يعتقد أن أية جمعية تُقدم على إعلان حجم مداخيلها.
كشف تفصيلي للوازرة
أما الحاج علي ياسين، مدير مكتب الخدمات التابع لمؤسسة المرجع الديني السيد محمد حسن فضل الله، فيكشف لـ”أحوال” كيفية توزيع موال القجج والتبرعات، ويقول: “كل ما يدخل إلى صندوق الجمعية نوزّعه، وكل من يقصد المكتب طلبا للمساعدة نساعده. ولدينا عوائل فقيرة وعجزة وأرامل ومرضى نوّزع عليهم مساعدة شهرية ثابتة، وكل ذلك بحسب حجم العائلة”. ويتابع “اضافة إلى حالات الاستشفاء الضرورية، وكل ذلك وارد في الكشف السنوي للجمعية. ونحن نقدم الكشف التفصيلي لوازرة الداخلية”.
وعن قيمة واردات القجج، يقول “لا جواب”. علما أن “قجج الجمعية تنتشر في كل المناطق منها برج حمود وسن الفيل والنبعة، ولا نستثني أي قاصد لمكتبنا من المساعدات”. ويختم ياسين “إضافة إلى توزيع الحصص الغذائية في شهر رمضان أيضاً”.
وفي إتصال مع مسؤول إحدى الجمعيات، يشرح لـ(أحوال) أنّ “العمل الخيري أنواع كثيرة، ونحن نتكل على التقديمات والصدقات حيث توزع الجمعية 30 ألف قجة مجّسم كعبة، و100 ألف قجة روزنامة”.
الإيصال هو الأساس
في حين يؤكد مسؤول العلاقات العامة في إحدى الجمعيات في صيدا، ورداً على سؤال حول متابعة المتبرع أو المتصدّق لوجهة صدقته، أنّ “لا أحد ممن يقدّمون تبرعاتهم للجمعية يسأل أو يطالب بكشف ما، لكننا نقدّم كشفاً سنوياً، ننشره على موقعنا، وقد حددنا آليّة يمكن من خلالها للمتبرع أن يعرف مصير تبرعاته”.
ويكشف المسؤول، الذي رفض الكشف عن إسمه، أن “هناك تسجيل لكل عملية تبرّع حيث يحصل المتبرع على إيصال خاص بذلك”. ويتابع “توّزع الجمعية صندوق صدقاتها على العديد من المؤسسات، وإيرادات الصناديق تكون غالباً غير ضخمة، كما هو حال التبرعات”.
الثقة والشفافية
من جهة ثانية، يؤكد عفيف شومان، مدير حملة “وتعاونوا” أنّنا كحملة نعلن عن كافة تقديماتنا، والثقة هي الأساس في عملنا، إضافة إلى الشفافية. وينفي نفياً قاطعاً أن يكون أيّ من المتبرعين قد طلب معرفة مصير تبرعاته، لأن الحملة تعلن عن كل تقديماتها عبر صفحتنها على الفايسبوك، كما “أننا نسمح للمتبرع بتقديم ما يريد مباشرة للمحتاجين من خلال مدّه بالعناوين المطلوبة له”.
سلوى فاضل